التنشئة الاجتماعية هي سيرورة مستمرة ومتغيرة على امتداد الحياة، بحيث إنها تهدف إلى الاندماج الاجتماعي النسبي والمتوالي من لدن الفرد، وباعتبارها، من جهة أخرى، بمثابة وسيلة لاكتساب الشخصية من خلال استيعاب طرائق الحركة والفعل اللازمة (معايير وقيم وتمثلات اجتماعية...) من أجل تحقيق درجة من التوافق النسبي عبر سياق الحياة الشخصية والاجتماعية للفرد داخل تلك الحياة المتغيرة باستمرار. (المصطفى حدية، 2006).
وتهدف التنشئة الاجتماعية إلى إكساب الأفراد في مختلف مراحل نموهم (طفولة، مراهقة، رشد، شيخوخة) أساليب سلوكية معينة، تتفق مع معايير الجماعة وقيم المجتمع، حتى يتحقق لهؤلاء التفاعل والتوافق في الحياة الاجتماعية في المجتمع الذي يعيشون فيه. وعملية التنشئة الاجتماعية تتم من خلال عمليات التفاعل الاجتماعية، فيتحول الفرد من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي، مكتسبا الكثير من الاتجاهات النفسية والاجتماعية عن طريق التعلم والتقليد، مما يطبع سلوكه بالطابع الاجتماعي.
ويقوم المجتمع من خلال عملية التنشئة الاجتماعية بدور هام في تشجيع وتقوية بعض الأنماط السلوكية المرغوب فيها والتي تتوافق مع قيم المجتمع وحضارته... في حين يقاوم ويحبط أنماط أخرى من السلوك غير المرغوب فيها... (د.خليل ميخائيل عوض، 1982).
وغالبا ما يتم الخلط بين التنشئة الاجتماعية (socialisation) والتطبيع (conformisation) والإخضاع (soumission) والتثاقف (acculturation)، ولرفع اللبس عن تداخل مفهوم التنشئة الاجتماعية مع المفاهيم المشار إليها، يمكننا تدقيق تعريف التنشئة الاجتماعية أكثر حسب المقاربات السوسيولوجية والنفسية والثقافية التالية:
- المقاربة السوسيولوجية: عرف هذا المفهوم (التنشئة الاجتماعية) عدة مقاربات متفاوتة خلال التطور التاريخي للمجتمعات الغربية، وخصوصا الأوربية، في مرحلة الستينيات مرحلة النمو، حيث كانت التطورية تحتل مكانة متميزة، من خلال التركيز على الفرض الفيبيرية (نسبة لعالم الاجتماع weber)، التي تقول إن النمو السياسي والاجتماعي والاقتصادي مرتبط بالتنشئة الاجتماعية، أي، بالقيم والتمثلات المستبطنة من طرف الفرد. وكانت أغلب الدراسات ذات النزعة الاجتماعية المهتمة بالتنشئة الاجتماعية، تعتمد المقاربة المقارنة، كما ظهرت بعض التخصصات في هذا المجال كالتنشئة السياسية التي كانت الموضوع المفضل للدراسات والبحوث.
وفي سنوات السبعينيات، كان اهتمام البحوث منصبا حول منظور جديد يعتبر عملية التنشئة الاجتماعية "كمفتاح" للمحافظة والصيانة والاستمرارية، من خلال أجيال الطبقات المتعاقبة، وبصفة خاصة من خلال الفوارق الاجتماعية. ولذلك انصبت المقارنات والدراسات حول الجماعات الاجتماعية (الطبقات الاجتماعية، الأنماط السوسيومهنية، الجنس...).
بعد ذلك، في الأعمال الجديدة حول التنشئة الاجتماعية، كان هناك توجها لتقطيع مجالات تحليلها إلى عدة مجموعات صغرى (sous-groupes) مثل الأسرة، المدرسة، السكن، فضاء اللعب... حيث تم دراسة تأثيرات التنشئة الاجتماعية حسب خصوصيات الأمكنة أو الأمكنة المؤسساتية، ومن خلال مصطلحات الإدماج والتثاقف، وترسيخ التمثلات الذهنية والضوابط والمعايير الاجتماعية.
- المقاربة النفسية: التنشئة هي عملية تعلم الحياة الاجتماعية، أي هي الوسيلة التي بواسطتها يكتسب الفرد المعايير والمعارف ونماذج السلوك والقيم التي تجعل منه فاعلا في مجتمع محدد. كما تعمل التنشئة على إدماج النظام الاجتماعي من طرف الفرد وجعله كجزء من شخصيته والتعبير عن هويته.
- المقاربة الثقافية: يذهب التيار الثقافي إلى أن بنية الشخصية تخضع للثقافة التي تميز مجتمعا بأكمله. والثقافة تعني بصفة خاصة نسق/منظومة قيم المجتمع. فبالنسبة لكاردينر (Kardiner)، كل نسق سوسيو-ثقافي تقابله شخصية قاعدية ما (personnalité de base). وعموما، بالنسبة للثقافيين، التنشئة الاجتماعية هي العملية التي بواسطتها ينقل كل مجتمع قيمه للأجيال اللاحقة، ويفترضون أن القيم وباقي عناصر النسق الثقافي تستدمج من طرف الفرد، وتشكل نوعا من البرمجة التي تضبط بطريقة ميكانيكية سلوكه. (Haddiya El moustafa, 1988).
• خصائص التنشئة الاجتماعية:
- التنشئة الاجتماعية هي عملية نمو: حيث تنمو بنمو الطفل، من كائن بيولوجي يتحكم في سلوكه وحاجياته الفسيولوجية، إلى فرد ناجح متحرر إلى حد ما من دوافعه، فيصبح متحكما في انفعالاته ونزواته، محاولا التوفيق بينها وبين مطالب البيئة الاجتماعية.
- هي عملية دينامية: لأنها حركة وتفاعل مستمران، تفاعل بين الأفراد، وبين الأفراد والآخرين والجماعات التي يتعامل معها الأفراد. وهي عملية مستمرة، فهي سلسلة متصلة ومتتابعة من التغيرات تنطلق من الطفولة وتستمر إلى المراحل الأخرى.
- هي عملية تعلم اجتماعي: حيث تتيح للفرد فرصة التفاعل الاجتماعي مع الآخرين من خلال مواقف وأدوار متعددة، فيكتسب الكثير من الخبرات والاتجاهات النفسية. ومعه يرى نيوكومب (Newcomb,1959) أن مصطلح التنشئة الاجتماعية يمكن أن يكون مرادفا للتعلم الاجتماعي.
كما أن هناك بعض المعطيات التي تؤثر سلبا (معوقات) في التنشئة الاجتماعية ومنها: الصراع بين مكونات الجهاز النفسي للفرد، تجريد الفرد من أدواره الاجتماعية، الانعزالية والانطوائية، الطرق التربوية الخاطئة، عدم الاستقرار والتوازن العائلي، المرض والحوادث، الانفعالات الحادة، المناخ والطقس...