تختلف نظرية بياجيه (ذات المنحى الكانطي) عن فكرة شومسكي حول وجود نماذج موروثة تساعد على تعلم اللغة، كما تتعارض أيضا مع النموذج السلوكي الذي يزعم أن اللغة تكتسب عن طريق التقليد والتدعيم، وأن التفكير عند الطفل يعمل عبر تسجيل وتذكر المعطيات والاستجابة للمحيط الخارجي.
بالنسبة لبياجيه، من أجل فهم الواقع، تلزم الطفل بنيات عقلية، ولكن هذه البنيات ليست فطرية.
إن اكتساب اللغة في نظر بياجيه هو وظيفة إبداعية نشيطة تبنى فيها الكفاية على تنظيمات داخلية تبدأ أولية ثم يعاد تنظيمها بناء على تفاعل الطفل مع البيئة الخارجية. ويقصد بياجيه بالتنظيمات الأولية وجود استعداد لدى الطفل للتعامل مع الرموز اللغوية التي تعبر عن مفاهيم تنشأ من خلال تفاعل الطفل مع البيئة منذ المرحلة الأولى وهي المرحلة الحسية الحركية. يتم ذلك إذن حسب مراحل عقلية ارتقائية متسلسلة في حياته، وتحت تأثير تراكم البنى البيولوجية والفيزيولوجية والعقلية دون الحاجة إلى افتراض وجود جهاز فطري مكتمل ومختص بإنتاج اللغة في مكان ما من الجهاز العصبي المركزي للإنسان. وهكذا فالتفكير اللغوي ينبني على مراحل محددة انطلاقا من مرحلة الذكاء الحسي الحركي وصولا إلى مرحلة العمليات العقلية الصورية التي تنبثق مع المراهقة، وإذا كانت اللغة تظهر نحو سن الثانية وتتطور بعد ذلك، فليس بفعل النضج الداخلي فقط، وإنما يكون ذلك قد تهيأ عبر عدة مراحل من النمو الذهني للطفل، فالوصول إلى اللغة مشروط بالذكاء الحسي الحركي خلال السنتين الأولى والثانية من الحياة. إن التلمس البدني التجريبي للطفل يتيح له أن يكتشف الأشياء ثم علاقاتها حتى يبلغ أخيرا قدرة تجريدية اللغة أحد تعبيراتها. التمكن من اللغة هو إذن تعبير عن ذكاء عام يتطور على مراحل.