* لكي يعيش الكائن الحي في توازن مع محيطه لا بد من إشباع حاجاته المختلفة أو على الأقل الأساسية منها ، و كلما تحقق هذا الإشباع إلا و تحقق نوع من النمو الطبيعي العادي والمقبول لدى الجماعة التي ينتمي إليها هذا الكائن أو ذاك ، و يمكن سحب نفس الشيء على الطفل . لذا نجد هذا الأخير ينفر من كل المظاهر والأنشطة التي لا تلبي حاجاته : يكرهها بل يعتبرها مواقف مفروضة عليه تخلق لديه الملل و النفور و لاتساعده في تنمية تعلماته و مداركه ، فالطفل بطبعه يتعامل و يحب و يستسيغ المواقف التي تحقق لديه النشوة و المتعة .
نجده يتعامل بجد مع المواقف التي تسمح له بالحركة و المشاركة وإبداء الرأي ، و هذا يوافق إلى حد ما مراحل نمو الطفولة التي من مميزاتها الرغبة في إثبات الذات .
هذا النوع من التصور التربوي هو الذي سيسمح بظهور مجموعة من الممكنات في حياة الطفل . فكما قال عبد الكريم برشيد " الطفل حزمة من الممكنات " و بالتالي فإن ظهور هذه الممكنات مرتبط أساسا بالوضعيات التعليمية التي يتواجد فيها الطفل التلميذ في المدرسة .
و في هذا السياق نجد بياجيه يؤكد ضمن اهتماماته بالطفل على ان الموقف التعليمي لكي يكون مفيدا يجب ان يكون شيقا نشيطا ، يقول إن الفائدة الرئيسية لنظرية النمو العقلي في مجال التعليم ، هي إتاحة الفرصة امام الطفل ليقوم بتعلم ذاتي ، فغننا لانستطيع تنمية ذكاء الطفل بالتكلم معه فقط ، لا نستطيع ان نمارس التربية بشكل جيد ، دون أن نضع الطفل في موقف تعليمي ، حيث يختبر نفسه ، ويرى ما يحصل و يستخدم الرموز ، ويضع الأسئلة ، ويفتش عن إجاباته الخاصة رابطا ما يجده هنا بما يجده في مكان آخر ، مقارنا اكتشافاته باكتشاف الأطفال الآخرين .
و تجدر الإشارة كذلك في هذا السياق إلى أعمال كل من بستالوزي و فروبل و منتسوري و سوزان إساك و كذا أعمال كارل روجرس الخاصة بالتربية اللاتوجيهية . هؤلاء المربون الذين استطاعوا أن يطوروا أفكارا و نظريات في مجال التعلم النشيط . لقد كان هؤلاء في تجاربهم مع الأطفال ينادون بالعمل على الأشياء و ليس الاكتفاء فقط بالاستماع إلى المعلم أو بقراءة الكتب ، فليس الغرض من الذهاب إلى المدرسة هو خلق مستمع منضبط و مواظب ، مستمع لكنه يكره المحتوى و المعلم و المدرسة معا ، مستمع قابل لأن يكون كل شيء ، لكن الهدف هو جعل التلميذ يكتشف عالما يشعر فيه بالراحة و المتعة ، جعله قادرا على الاتيان بالجديد ، قادرا على الوصول إلى أشياء لا يتوقعها المعلم .